tgoop.com/soroojseminar6/2783
Last Update:
تأثير العالَم العُلويّ في العالَم السُّفليّ:
قال ابن القيم رحمه الله:
إنَّ اللهَ سبحانه لم يخلق شيئًا سُدًى ولا عَبَثًا، وربط سبحانه العالَم العُلويَّ بالسُّفليِّ، وجعل عُلويَّه مُؤَثِّرًا في سُفليِّه دون العكس؛ فالشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، وإنْ كان كسوفُهما سببًا لشَرٍّ يحدث في الأرض؛ ولهذا شرع سبحانه تغيير الشَّرِّ عند كسوفهما مما يدفع ذلك الشَّرَّ المُتوقَّع، من الصلاة والذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والعِتق؛ فإنَّ هذه الأسباب تُعارِض أسباب الشَّرِّ وتُقاوِمُها وتدفع موجبها إنْ قويت عليها.
وقد جعل الله سبحانه حركةَ الشمس والقمر واختلافَ مَطالِعِهما سببًا للفصول التي هي سبب الحر والبرد والشتاء والصيف، وما يحدث فيهما مِمَّا يليق بكل فصلٍ منها:
- فمَن له اعتناءٌ بحركاتهما واختلافِ مطالعهما يستدلُّ بذلك على ما يحدث في النبات والحيوان وغيرهما، وهذا أمرٌ يعرفه كثيرٌ من أهل الفِلاحة والزراعة.
- ورُبَّانِيُّ السُّفُن لهم استدلالاتٌ بأحوالهما وأحوال الكواكب على أسباب السلامة والعَطَب، مِن اختلاف الرياح وقوَّتِها وعُصوفِها، لا تكاد تختلُّ.
- والأطِبَّاء لهم استدلالاتٌ بأحوال القمر والشمس على اختلاف طبيعة الإنسان، وتَهيُّئِها لقبول التَّغيُّر، واستعدادِها لأمورٍ غريبةٍ، ونحو ذلك...
والله سبحانه له الخلق والأمر، ومصدُر خلقِه وأمرِه عن حكمةٍ لا تختلُّ ولا تعطَّل ولا تنتقِض.
ومَن صَرَفَ قُوى ذهنِه وفكرِه، واستنفدَ ساعاتِ عمرِه في شيءٍ من أحكام هذا العالَم وعلمِه: كان له فيه من النفوذ والمعرفة والاطِّلاع ما ليس لغيره.
ويكفي الاعتبارُ بفرعٍ واحدٍ من فروعه، وهو عبارة الرؤيا؛ فإنَّ العبد إذا نَفَذَ فيها وكَمُلَ اطِّلاعُه جاء بالعجائب، وقد شاهدنا نحن وغيرنا من ذلك أمورًا عجيبةً، يحكم فيها المُعبِّر بأحكامٍ متلازمةٍ صادقةٍ سريعةٍ وبطيئةٍ، يقول سامعُها: هذه علم غيبٍ، وإنما هي معرفة ما غاب عن غيرِه بأسبابٍ انفرد هو بعلمها وخفيتْ على غيره.
والشارع ﷺ حرَّم مِن تعاطي ذلك ما مضرَّتُه راجحةٌ على منفعتِه، أو ما لا منفعةَ فيه، أو ما يُخشى على صاحبه أن يَجُرَّه إلى الشرك، وحرَّم بذلَ المال في ذلك، وحرَّم أخذَه به؛ صيانةً للأمة عمَّا يُفسِد عليها الإيمان أو يَخدِشُه، بخلاف علم عبارة الرؤيا، فإنه حقٌّ لا باطلٌ؛ لأن الرؤيا مُستنِدةٌ إلى الوحي المناميِّ، وهي جزءٌ من أجزاء النُّبوَّة؛ ولهذا كلما كان الرائي أصدقَ كانت رؤياه أصدقَ، وكلما كان المُعبِّر أصدقَ وأبرَّ وأعلمَ كان تعبيرُه أصحَّ، بخلاف الكاهن والمُنجِّم وأضرابِهما مِمَّن لهم مَدَدٌ مِن إخوانهم مِن الشياطين؛ فإن صناعتَهم لا تصحُّ من صادقٍ ولا بارٍّ ولا مُتقيِّدٍ بالشريعة، بل هم أشبهُ بالسَّحَرَة، الذين كلما كان أحدهم أكذبَ وأفجرَ وأبعدَ عن الله ورسوله ودينه: كان السحر معه أقوى وأشدَّ تأثيرًا، بخلاف كل ما كان من الحقِّ؛ فإنَّ صاحبَه كلما كان أبرَّ وأصدقَ وأدينَ: كان علمُه به ونفوذُه فيه أقوى، وباللّٰه التوفيق.
زاد المعاد (٦ / ٤٧٢ - ٤٧٤).
BY منصة معتقد للتأهيل العقدي
Share with your friend now:
tgoop.com/soroojseminar6/2783