TAYSIRABDALLA Telegram 983
خربشات غير منتظمة في ذكرى مرور عام على هجوم 7 أكتوبر.

لا أحد يتخيل أنه كان مجرد عام فقط. مكون من 365 يوما. كل من عاش داخله في غزة يشعر بالدوار حين يريد أن يتحدث عنه. لم يكن مجرد عام. كان ربما مائة سنة. أو ألف. كان انقلابات وارتدادات عنيفة بين اليقظة والخيال. بين المنطق والجنون. بين الموت والحياة.

لا أحد يمكن أن يطوقه في مقال واحد. أو منشور واحد: من ذلك اليوم. صباح السبت. الساعة السادسة وعشر دقائق عندما بدأت الصوااريخ تنطلق من غزة. وسط ذهول ومفاجأة الجميع!. لماذا؟ وكيف؟.
كان كل شيء هادئا. وكانت التفاهمات التي يقودها العمادي في أفضل حالاتها لتوفير الهدوء. كنت حينها أجلس في البلكونة في الدور السادس في تل الهوى. اتصل علي صديق يسألني عما يجري: قلت له لا بد أن خطأ ما قد حدث...
في كثير من الحالات يعتقد الناس أن ما يكتب ويقال. هو الخطأ لأنه لا يطابق الواقع. لكن في الحقيقة. فإن الواقع هو الذي يكون خطأ رغم ما يحمله من قوة واندفاع. وليست الكتابة.

وجدت جاري عائدا من مخبز الخزندار المقابل لبنك فلسطين مضطربا. قال لي: أريد خبزا. لم أستطع شراء ربطة خبز. الازدحام في الشوارع كبير.

كانت هذه المؤشرات الأولى لسقوط الجبهة الداخلية بعد ساعة من الهجوم. الفوضى عمت الشوارع. والسلع بدأت تختفي من المحلات التجارية. والأسواق.

في زمن الحروب تنهار مقومات المجتمع وعوامل صموده إن تركت للعشوائية كحجارة الدومينو. يبدأ الانهيار الأمني أولا. ثم الاقتصادي. ثم التعليمي. ثم الاجتماعي. ثم الأخلاقي. بعد عام واحد فقط. بدأ الجميع يتساءل: من أين أصاب كل هذا الانحلال والفساد الأخلاق؟ لماذا أصبحت الناس بكل هذا السوء؟ هل هي أخلاق الحرب؟.

........
يوجد شبه كبير بين هجوم السابع من أكتوبر. وتفجير الاحتلال أجهزة اللاسلكي لعناصر حزبلة. العملان استغرقا وقتا طويلا من الإعداد والتجهيز استغرقا سنوات. والعملان سببا ارباكا كبيرا للخصم. لكن تفجير الاحتلال للأجهزة. تبعه أعمال تفجيرية أخرى طالت قائد الحزب. ثم حرب مفتوحة لا تزال نيرانها مشتعلة إلى الآن.

أما هجوم السابع من أكتوبر. فقد كان افتتاحية جيدة لهجوم افتراضي متواصل تتبعه خطوات أخرى. لكن ذلك لم يحدث. فكان أشبه بقفزة في الهواء. أو استفزاز وحش بوخزه سكين ثم الهروب والاختباء بين المواطنين. الذين لا يزالون يدفعون كل يوم مئات الشهدااا.ء ثمنا لصفقة لم يعد لها أي قيمة وطنية ولا أخلاقية رغم أنها لم تأت بعد.
..........

انتقلنا إلى رفح. بعد اتضاح صورة الهجوم. وأنه لم يكن خطأ. وأنه كان مخططا. وكانت وسائل الإعلام تنقل صور أسرى الاحتلال الذين ينقلون إلى غزة. كان الشعور لدى الأغلب في البداية أن التصعيد قد يكون مثل المرات السابقة. أو أكثر قليلا. لكنه سينتهي بصفقة قريبة مع تدخل الوسطاء. أكثر النازحين إلى الجنوب لم يأخذوا معهم شيئا. تركوا كل حاجياتهم وملابسهم خلف أبوابهم المغلقة على أمل عودة قريبة.

بعد أيام بدأ يتضح أن الاحتلال في طريقه لتقسيم القطاع. وبدأ بقصف بعض السيارات على شارع صلاح الدين. وقتل جميع النازحين فيها. وأصبحت رحلة العودة مرة أخرى من الجنوب إلى الشمال لجلب الأشياء المهمة رحلة محفوفة بالموت ومكلفة. ارتفع ثمن أجرة التنقل بالسيارة من رفح إلى غزة إلى أكثر من 150 دولار. بعد أن كان دولارين. شارعي صلاح الدين والرشيد على البحر أصبحا مزدحمين بشدة وخطرين.
................
لا أنسى ذلك الصباح الذي استيقظت فيه ودون تفكير. ركبت سيارتي القديمة من رفح إلى شقتي في تل الهوى لجلب أوراقي الرسمية. كانت الفرصة والمغامرة الأخيرة. للحظات وأنا أقودها بسرعة كنت أشعر أنني أسابق الوقت في فيلم زومبي. كانت السيارات المتفحمة التي قصفها الاحتلال بالقرب من دوار الكويت لا تزال على الطريق. وركام البيوت المقصوفة يسد الطرق التي أحاول السير فيها بصعوبة.
وكان البرج خاليا من سكانه بعد أن كان يضج بالعائلات والسكان والحياة. حاولت بسرعة أخذ أوراقي من الشقة بينما كان القصف يصيب البنايات حولي. أثناء نزولي تفاجأت بوقوف أحد جيراني بجانب السيارة ينتظرني. تعانقنا. وعبرت له عن استغرابي عن سبب بقائه وحيدا في البرج. وربما في المنطقة. أبدى لي حيرته وتشككه من وصول الاحتلال إلى تل الهوى.
قلت له أنهم سيصلون. وسيصلون إلى مستشفى الشفاء.
لا أنسى نظراته حين أردت أن أمشي بالسيارة.
أدخل رأسه من الشباك. وقال لي: هل أنت متأكد أنهم سيصلون إلى هنا؟.
فتحت له باب السيارة. وقلت له: اركب معي إلى رفح.
تردد قليلا. ثم قال: لا.... اذهب أنت.. سأبقى هنا.
ليته ركب معي.
بعد يومين أرسل لي أحد جيراننا أن طائرة الاحتلال قصفته بصاا.روخ.

في طريق عودتي. في الناحية اليمنى من وادي غزة. كانت لا تزال بقايا سيارة أحد أصدقائنا الذي قصفته الطائرات. تقف وقد دمرت. وجدت نفسي أقف بجانبها وأقرأ الفاتحة على روحه قبل أن أكمل طريق عودتي إلى رفح.
.....



tgoop.com/taysirabdalla/983
Create:
Last Update:

خربشات غير منتظمة في ذكرى مرور عام على هجوم 7 أكتوبر.

لا أحد يتخيل أنه كان مجرد عام فقط. مكون من 365 يوما. كل من عاش داخله في غزة يشعر بالدوار حين يريد أن يتحدث عنه. لم يكن مجرد عام. كان ربما مائة سنة. أو ألف. كان انقلابات وارتدادات عنيفة بين اليقظة والخيال. بين المنطق والجنون. بين الموت والحياة.

لا أحد يمكن أن يطوقه في مقال واحد. أو منشور واحد: من ذلك اليوم. صباح السبت. الساعة السادسة وعشر دقائق عندما بدأت الصوااريخ تنطلق من غزة. وسط ذهول ومفاجأة الجميع!. لماذا؟ وكيف؟.
كان كل شيء هادئا. وكانت التفاهمات التي يقودها العمادي في أفضل حالاتها لتوفير الهدوء. كنت حينها أجلس في البلكونة في الدور السادس في تل الهوى. اتصل علي صديق يسألني عما يجري: قلت له لا بد أن خطأ ما قد حدث...
في كثير من الحالات يعتقد الناس أن ما يكتب ويقال. هو الخطأ لأنه لا يطابق الواقع. لكن في الحقيقة. فإن الواقع هو الذي يكون خطأ رغم ما يحمله من قوة واندفاع. وليست الكتابة.

وجدت جاري عائدا من مخبز الخزندار المقابل لبنك فلسطين مضطربا. قال لي: أريد خبزا. لم أستطع شراء ربطة خبز. الازدحام في الشوارع كبير.

كانت هذه المؤشرات الأولى لسقوط الجبهة الداخلية بعد ساعة من الهجوم. الفوضى عمت الشوارع. والسلع بدأت تختفي من المحلات التجارية. والأسواق.

في زمن الحروب تنهار مقومات المجتمع وعوامل صموده إن تركت للعشوائية كحجارة الدومينو. يبدأ الانهيار الأمني أولا. ثم الاقتصادي. ثم التعليمي. ثم الاجتماعي. ثم الأخلاقي. بعد عام واحد فقط. بدأ الجميع يتساءل: من أين أصاب كل هذا الانحلال والفساد الأخلاق؟ لماذا أصبحت الناس بكل هذا السوء؟ هل هي أخلاق الحرب؟.

........
يوجد شبه كبير بين هجوم السابع من أكتوبر. وتفجير الاحتلال أجهزة اللاسلكي لعناصر حزبلة. العملان استغرقا وقتا طويلا من الإعداد والتجهيز استغرقا سنوات. والعملان سببا ارباكا كبيرا للخصم. لكن تفجير الاحتلال للأجهزة. تبعه أعمال تفجيرية أخرى طالت قائد الحزب. ثم حرب مفتوحة لا تزال نيرانها مشتعلة إلى الآن.

أما هجوم السابع من أكتوبر. فقد كان افتتاحية جيدة لهجوم افتراضي متواصل تتبعه خطوات أخرى. لكن ذلك لم يحدث. فكان أشبه بقفزة في الهواء. أو استفزاز وحش بوخزه سكين ثم الهروب والاختباء بين المواطنين. الذين لا يزالون يدفعون كل يوم مئات الشهدااا.ء ثمنا لصفقة لم يعد لها أي قيمة وطنية ولا أخلاقية رغم أنها لم تأت بعد.
..........

انتقلنا إلى رفح. بعد اتضاح صورة الهجوم. وأنه لم يكن خطأ. وأنه كان مخططا. وكانت وسائل الإعلام تنقل صور أسرى الاحتلال الذين ينقلون إلى غزة. كان الشعور لدى الأغلب في البداية أن التصعيد قد يكون مثل المرات السابقة. أو أكثر قليلا. لكنه سينتهي بصفقة قريبة مع تدخل الوسطاء. أكثر النازحين إلى الجنوب لم يأخذوا معهم شيئا. تركوا كل حاجياتهم وملابسهم خلف أبوابهم المغلقة على أمل عودة قريبة.

بعد أيام بدأ يتضح أن الاحتلال في طريقه لتقسيم القطاع. وبدأ بقصف بعض السيارات على شارع صلاح الدين. وقتل جميع النازحين فيها. وأصبحت رحلة العودة مرة أخرى من الجنوب إلى الشمال لجلب الأشياء المهمة رحلة محفوفة بالموت ومكلفة. ارتفع ثمن أجرة التنقل بالسيارة من رفح إلى غزة إلى أكثر من 150 دولار. بعد أن كان دولارين. شارعي صلاح الدين والرشيد على البحر أصبحا مزدحمين بشدة وخطرين.
................
لا أنسى ذلك الصباح الذي استيقظت فيه ودون تفكير. ركبت سيارتي القديمة من رفح إلى شقتي في تل الهوى لجلب أوراقي الرسمية. كانت الفرصة والمغامرة الأخيرة. للحظات وأنا أقودها بسرعة كنت أشعر أنني أسابق الوقت في فيلم زومبي. كانت السيارات المتفحمة التي قصفها الاحتلال بالقرب من دوار الكويت لا تزال على الطريق. وركام البيوت المقصوفة يسد الطرق التي أحاول السير فيها بصعوبة.
وكان البرج خاليا من سكانه بعد أن كان يضج بالعائلات والسكان والحياة. حاولت بسرعة أخذ أوراقي من الشقة بينما كان القصف يصيب البنايات حولي. أثناء نزولي تفاجأت بوقوف أحد جيراني بجانب السيارة ينتظرني. تعانقنا. وعبرت له عن استغرابي عن سبب بقائه وحيدا في البرج. وربما في المنطقة. أبدى لي حيرته وتشككه من وصول الاحتلال إلى تل الهوى.
قلت له أنهم سيصلون. وسيصلون إلى مستشفى الشفاء.
لا أنسى نظراته حين أردت أن أمشي بالسيارة.
أدخل رأسه من الشباك. وقال لي: هل أنت متأكد أنهم سيصلون إلى هنا؟.
فتحت له باب السيارة. وقلت له: اركب معي إلى رفح.
تردد قليلا. ثم قال: لا.... اذهب أنت.. سأبقى هنا.
ليته ركب معي.
بعد يومين أرسل لي أحد جيراننا أن طائرة الاحتلال قصفته بصاا.روخ.

في طريق عودتي. في الناحية اليمنى من وادي غزة. كانت لا تزال بقايا سيارة أحد أصدقائنا الذي قصفته الطائرات. تقف وقد دمرت. وجدت نفسي أقف بجانبها وأقرأ الفاتحة على روحه قبل أن أكمل طريق عودتي إلى رفح.
.....

BY Taysir Abdalla


Share with your friend now:
tgoop.com/taysirabdalla/983

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Avoid compound hashtags that consist of several words. If you have a hashtag like #marketingnewsinusa, split it into smaller hashtags: “#marketing, #news, #usa. How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) Joined by Telegram's representative in Brazil, Alan Campos, Perekopsky noted the platform was unable to cater to some of the TSE requests due to the company's operational setup. But Perekopsky added that these requests could be studied for future implementation. Choose quality over quantity. Remember that one high-quality post is better than five short publications of questionable value. Each account can create up to 10 public channels
from us


Telegram Taysir Abdalla
FROM American