tgoop.com/taysirabdalla/984
Last Update:
بعد خمسة أشهر من نزوحي في خيمة تفتقر لكل المواصفات الإنسانية. وتدمير مدينتي وكل ما تبقى لي من سكن...كنت أجلس بجوار حائط ساعة الظهيرة. أحاول أن ألتقط إشارة النت الضعيفة لأستطلع الأخبار. رفعت رأسي على ظل فتاة عشرينية جميلة تقف بجانبي. حاولت أن أستذكر بسرعة إن كنت أعرفها من قبل. لم تمهلني. قالت لي بصوت خفيض بعد أن احمر وجهها وهي تخرج صحن صغير من تحت عباءتها: هل تشتري ترمس يا عمو؟.
توقعت منها أي شيء إلا أن تكون بائعة ترمس. كان واضحا أنها تجربة بيعها الأولى. وأنها مضطرة ومضطربة. وأنها خرجت رغما عنها لأسباب قاهرة..
قلت لها أشتري..
لكن واضح أنك بنت ناس...هل أنت تدرسين؟
قالت بانكسار وخجل.
أنا طالبة طب سنة ثانية في جامعة الأزهر.
لم أستطع أن أسألها أكثر من ذلك خشيت أن تنفجر بالبكاء في الشارع...
تركتها تمضي كحال كل مئات الآلاف من التائهين والمعوزين الذين تبدلت حياتهم وأصبحت ذلا وهوانا بعد عز وكرامة. وأصبحوا لا يعرفون ذواتهم القديمة قبل الإبادة والخيام والتهجير.
........
أثناء عودتي من شارع النص بمواصي خان يونس بعد العشاء. ركبت مع سائق في سيارة صغيرة فيات باندا. كان يفتح المسجل على أغنية بصوت مرتفع. لم أكن أعرف الأغنية ولا المغني. لكنها تشبه أغاني الأفراح المصرية الفاقعة..
بعد تردد سألته إن كان هذا مناسبا..
لم يلتفت إلي. وظلت السيجارة في فمه للحظات قبل أن يرد علي:
تصدق أنني كل يوم أعمل في المساء بمخسر.
قلت له صحيح. لاحظت أنك لا تقف للركاب. رغم وجود كراسي فارغة.
نظر إلي بعيني حزينة: لا أستطيع البقاء في الليل وحيدا. الليل صعب وقاسي. أصبح فيه كالمجنون. أهرب منه إلى الشارع. أحاول أن أنسى.
صمت قليلا قبل أن أسأله بخوف: تنسى ماذا؟.
أخذ نفسا عميقا من السيجارة في فمه كأنه يستعد لاطلاق قنبلة من فمه.
زوجتي وأبنائي...
- مالهم؟.
انقصفوا واستشه.دوا جميعا. بقيت وحيدا.
حين نزلت من السيارة. كان ملثمون يضربون شابا ويسحبونه إلى سيارة دفع رباعي. سألت أحد الواقفين عن السبب. قال لي: اتفو عليه. بستاهل. قالولنا أنه نسونجي. ابتعدوا عنه.
BY Taysir Abdalla
Share with your friend now:
tgoop.com/taysirabdalla/984