TWRYQAT Telegram 2675
الفراق لم يعد مؤلماً. يا للأشياء كيف تصير مع الوقت خيالات هشّة وأعراض مؤكدة للوحشة.
كنت طوال الوقت أفكر بهذا، ووجدتني بغير تخطيط أتجه إلى عتمة الغرفة وأقلب -في خوف - مسألة التبلد على ناصية الأربعين، وكدت أتصل بأحد الأصدقاء وقد سبقني قبل سنتين إلى الأربعين فأسأله إن كان قد مر بهذه الفضيحة، وإلا مَن المسؤول عن تكلّس إحساسي بالفراق ؟
أذكر أمي عندما تضع سلتها الفارغة على رأسها وتذهب إلى السوق -أذكر - أنني كنت أغرس عيني طويلا في قامتها، وتهجم نحو رأسي أفكار لها رؤوس بخوذ سوداء، وأرعى أشجار ثوبها وهي تغادر حتى تختفي، عندئذ يعصف بي شعور من اليتم المؤثث بالعطب، أشعر أنني مريض وواهن لا شفاء لي إلا بعودتها، وأرى البيت تلفه ظلال أبعد في الكثافة، لا تعود إشراقتي وإشراقة الأشياء من حولي إلا حين تعود وأتحسس جسدها وأشم أشجار ثوبها لأعرف أنها أمي ولم يستبدلها أحد. عندما لملمت أغراضك بالأمس كنت أراقبك- يا حبيبتي- وأنا أدخن أمام شاشة التلفاز، فقط أنت نسيتي الحقيبة الصغيرة المخصصة للمحفظة والجوال، وأنا ذكرتك بها، قلت لك إن هذه الحقيبة تحتوي أغراضك المهمة لا تنسيها، وأنت تنبهت وقبضت يدك على رقبة الحقيبة بحزم، كنت أتكلم معك كأنك ذاهبة في رحلة، هل حقا صار الفراق سيسيولوجيا أخوية ؟ لم يخطر ببالي القول: تريثي أيتها المرأة التي قبل يومين احتسيت قهوتي بمعيتها على شرفات بحر ومدينة أثرية ومتحف، وإنها ساعة شيطان وكذا، صفقت الباب، وأنا حسبت أن الريح صفقته أكثر، ثم راقبتني: كنت بكامل طولي وعرضي أحدّق في خشب الباب القديم وتعبث اصابع يدي بأصابع يدي الأخرى، وشعور يلح فقط بسيجارة أخرى، وأنا عائد إلى الممر كنت أنتظر أي انفعال، استجديت أي انفعال ورجوت دموعي أو صرخاتي أو حتى فكرة الانطواء في غرفة المخزن والامتناع عن الطعام والشراب، الشعور بطعم الدموع المالح على طرف اللسان، تذكرك ثم معاودة البكاء، كل شيء من هذا لم يحدث، نمت طويلاً، نمت وحلمت بأنني أتسبح أنا ووالدي في البحر الأبيض المتوسط، كان يزيل الشوائب العالقة على سطح الماء، كانت شوائب اعتيادية على كل حال، جثمان وردة ذابلة ووبقايا خسّة وأعواد، يقول: تعال نتسابق، وعد واحد اثنين.. ثم صحوت وأنا ألهث من التعب، حاولت العودة للنوم كنت أريد أن أرى النتيجة من سيسبق أنا أم أبي، ولكنني تعبت و وحاولت الولوج من جديد إلى الحلم دون أن أشعر بأي بلل.
ثم وضعت غلاية القهوة على النار، وعدت للغرفة لإحضار القداحة، القداحة التي تعرفينها ودائماً نضيعها، ورحت وراء البيت، أتأمل السماء الملبدة بالغيوم، وأكمام الريحان التي طلعت دون أن أزرعها وامتدت من حديقة الجيران، أرتشف قهوتي، وأنا أفكر أن الحياة "من أجل العيش" وحساب أنني عشت الأيام التي خلت كلها عدّا ونقدا تكبدني خسائر، خسائر متلاحقة لا يمكن لي أن أحتمل تكرارها أكثر.



tgoop.com/twryqat/2675
Create:
Last Update:

الفراق لم يعد مؤلماً. يا للأشياء كيف تصير مع الوقت خيالات هشّة وأعراض مؤكدة للوحشة.
كنت طوال الوقت أفكر بهذا، ووجدتني بغير تخطيط أتجه إلى عتمة الغرفة وأقلب -في خوف - مسألة التبلد على ناصية الأربعين، وكدت أتصل بأحد الأصدقاء وقد سبقني قبل سنتين إلى الأربعين فأسأله إن كان قد مر بهذه الفضيحة، وإلا مَن المسؤول عن تكلّس إحساسي بالفراق ؟
أذكر أمي عندما تضع سلتها الفارغة على رأسها وتذهب إلى السوق -أذكر - أنني كنت أغرس عيني طويلا في قامتها، وتهجم نحو رأسي أفكار لها رؤوس بخوذ سوداء، وأرعى أشجار ثوبها وهي تغادر حتى تختفي، عندئذ يعصف بي شعور من اليتم المؤثث بالعطب، أشعر أنني مريض وواهن لا شفاء لي إلا بعودتها، وأرى البيت تلفه ظلال أبعد في الكثافة، لا تعود إشراقتي وإشراقة الأشياء من حولي إلا حين تعود وأتحسس جسدها وأشم أشجار ثوبها لأعرف أنها أمي ولم يستبدلها أحد. عندما لملمت أغراضك بالأمس كنت أراقبك- يا حبيبتي- وأنا أدخن أمام شاشة التلفاز، فقط أنت نسيتي الحقيبة الصغيرة المخصصة للمحفظة والجوال، وأنا ذكرتك بها، قلت لك إن هذه الحقيبة تحتوي أغراضك المهمة لا تنسيها، وأنت تنبهت وقبضت يدك على رقبة الحقيبة بحزم، كنت أتكلم معك كأنك ذاهبة في رحلة، هل حقا صار الفراق سيسيولوجيا أخوية ؟ لم يخطر ببالي القول: تريثي أيتها المرأة التي قبل يومين احتسيت قهوتي بمعيتها على شرفات بحر ومدينة أثرية ومتحف، وإنها ساعة شيطان وكذا، صفقت الباب، وأنا حسبت أن الريح صفقته أكثر، ثم راقبتني: كنت بكامل طولي وعرضي أحدّق في خشب الباب القديم وتعبث اصابع يدي بأصابع يدي الأخرى، وشعور يلح فقط بسيجارة أخرى، وأنا عائد إلى الممر كنت أنتظر أي انفعال، استجديت أي انفعال ورجوت دموعي أو صرخاتي أو حتى فكرة الانطواء في غرفة المخزن والامتناع عن الطعام والشراب، الشعور بطعم الدموع المالح على طرف اللسان، تذكرك ثم معاودة البكاء، كل شيء من هذا لم يحدث، نمت طويلاً، نمت وحلمت بأنني أتسبح أنا ووالدي في البحر الأبيض المتوسط، كان يزيل الشوائب العالقة على سطح الماء، كانت شوائب اعتيادية على كل حال، جثمان وردة ذابلة ووبقايا خسّة وأعواد، يقول: تعال نتسابق، وعد واحد اثنين.. ثم صحوت وأنا ألهث من التعب، حاولت العودة للنوم كنت أريد أن أرى النتيجة من سيسبق أنا أم أبي، ولكنني تعبت و وحاولت الولوج من جديد إلى الحلم دون أن أشعر بأي بلل.
ثم وضعت غلاية القهوة على النار، وعدت للغرفة لإحضار القداحة، القداحة التي تعرفينها ودائماً نضيعها، ورحت وراء البيت، أتأمل السماء الملبدة بالغيوم، وأكمام الريحان التي طلعت دون أن أزرعها وامتدت من حديقة الجيران، أرتشف قهوتي، وأنا أفكر أن الحياة "من أجل العيش" وحساب أنني عشت الأيام التي خلت كلها عدّا ونقدا تكبدني خسائر، خسائر متلاحقة لا يمكن لي أن أحتمل تكرارها أكثر.

BY توريقات


Share with your friend now:
tgoop.com/twryqat/2675

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

As the broader market downturn continues, yelling online has become the crypto trader’s latest coping mechanism after the rise of Goblintown Ethereum NFTs at the end of May and beginning of June, where holders made incoherent groaning sounds and role-played as urine-loving goblin creatures in late-night Twitter Spaces. In handing down the sentence yesterday, deputy judge Peter Hui Shiu-keung of the district court said that even if Ng did not post the messages, he cannot shirk responsibility as the owner and administrator of such a big group for allowing these messages that incite illegal behaviors to exist. “Hey degen, are you stressed? Just let it all out,” he wrote, along with a link to join the group. A vandalised bank during the 2019 protest. File photo: May James/HKFP. Joined by Telegram's representative in Brazil, Alan Campos, Perekopsky noted the platform was unable to cater to some of the TSE requests due to the company's operational setup. But Perekopsky added that these requests could be studied for future implementation.
from us


Telegram توريقات
FROM American