tgoop.com/wthow/1529
Last Update:
ما بين وترين
ستظل علاقتي بالفن الغنائي السوداني ليست علاقة العارف بالسلالم الموسيقية ولا العالم بمضارب أحرفها ولكنِ متذوقٌ للكلامات فقط وأحياناً يتسرب لمزاجي الغليظ الرافض بعضاً من سحر الموسيقى وألقها !
وضعتني الظروف مجبراً للاستماع لمختلف الأذواق الموسيقية، تارةً لما هو شعبي وأحياناً لموسيقى مناطقية أو بلهجاتٍ محلية غارقة في البداوة من ذوي الأرواح النقية التي تملك في مداركها أنشودات لم تغرق بعد في وثن المدينة، ولموسيقى حديثة مرتبة متناسقة مشبعةُ بالانتظام ..
عدا القليل من الكلمات التي يعربد بها محمود أو مصطفى لم تكن نفسي تسول لي الاستماع لما هو خارج هذا الحيز الضيق، فمصطفى يمثل رمزية الثورة والخلود لدي، ومحمود يمثل رمزية الخروج عن المألوف وخرق العادة، وهذا والله لكافٍ لذوقي الموسيقي، ولتتمعن أذنيّ في رمزية الحياة من جانبٍ آخر .
لطالما كانت "الربابة" عند قبائل شمال وسط السودان تنحصر في شعر التباكي، وادعاءات المحبين ترتبط بالحزن في عمقها، وتتراقص مخيلتها في لب قضايا الخسران والضياع كما يعيش أصحابها، بين أكف التوهان الثقافي وهي تمثل انعكاسات مدى مخاييل الشعوب التي تمتزج بأغنياتها الرقيقة التي تنعم برفاهية الشوق والحب والفقد.
فكان أثرها على المدينة رقيقاً يبعث على الإلفة لحياة الريف، ومستمعيها يعيشون حالة حنينٍ مضطربة بين العودة لما هو قديم وعيش واقعهم، مصابون بحساسية الريف وصلادة المدينة، وأكثرهم اضطراباً أكثرهم استماعاً لتلك الأصوات الهشة التي تقفز بين ثنايا "الشيالين" تمر حادةً كنقرات قطعةٍ معدنية على آنية زجاجية.
في الآونة الأخيرة ومع ضعف الحركة الثقافية في المدينة وهشاشة الفكر وغياب الهوية تحركت "الربابة" جنوباً، نحو العمق، ولكن هذه المرة لم تكن ترتبط بالحزن، بل كان ما يمثلها أشبه بالضوضاء أو السعادة الهستيرية التي تخرج من مجتمع يعيش انحداراً نفسياً وتجاذباً حاداً بين سطوة الريف ورقاصات المدينة .
فلذا مهما كانت الكلمات التي يتغنون بها تتقمص الحزن ستظل هشة أمام ضربهم الهستيري للأرض ورقصاتهم الهوجاء وموسيقاهم المنحدرة ..
BY غسق الشتاء
Share with your friend now:
tgoop.com/wthow/1529