tgoop.com/youlat/524
Last Update:
يقول مظفر النواب: "ألاّ أُفهمَ، تنتابني نكهةُ حزن.. لكن أشياءُ كثيرة لا تُفهمُ في هذا الكون.. أن يُتقصدُ عدمُ فهمي، ذلكَ يضعُ في طريقِ عشقيَّ للناسِ حجر"
سيظل فعل الاقتباس هو أجمل ما يحدث في الشعر من روعة الاستشهاد بالأبيات وتمثل القصائد في المواقف، وإيراد النصوص في القصص، وتضمينها في الكتابات التاريخية والفلسفية والنفسية..إلخ، وهو كذلك مأزق الشاعر، ورطة الـ "جزء من كل"، فلا تعبر عن ما يريد قوله تمامًا، عند المتلقي المفتون مرونة المجاز الذي يعطيه حرية إسقاط المقولات على ما يريد، ليأخذ المقولة إلى سياقات أخرى، وتتعذر قراءة مقولة الشاعر كاملةً، كأن الشعر كل الشعر كُتبَ ليقول ما يريدهُ المتلقي، وليس ما يريدهُ الشاعر.
صرخ جاسم الصحيح في إحدى المرات وقال بكل صراحة: " لا يعرفُ النَّاسُ منِّي غيرَ حنجرةٍ.. يا ليتَهُمْ عَرِفوا ما خلف حنجرتي"، هذا الشعور القاسي يعرفه الشعراء، وبعضهم تصالح مع كونهِ كائن غير مفهوم، وحاول آخرون تبني رد أبي تمام حين سُئل: "لمَ لا تقول ما يُفهَم؟" فأجاب: "ولمَ لا تفهم ما يُقال؟"
يحاسب الناس الشعراء على كلماتهم، كمن يحلل قول السكران في سكرهِ، والغاضب في غضبه. كما أن الشاعر في شعره يعيش لحظة تهيّجٍ كبرى، وهذا لا يعني أنه بعد الإفاقة منها سيتبناها، بل قد يناقضها في لحظات أخرى، كدرويش الذي قال "وطني حقيبة"، ثم قال: "وطني ليس حقيبة وأنا لستُ مسافر"، فهو كذلك لا يُقرأ بشكلٍ مُجزأٍ بل قد يكون كما قال أحمد بخيت: "أنا الصوفي والشهوان عشَّاقًا ومعشوقا.. أعيش بقلب قديسٍ ولو حسبوه زنديقا".
البيت جزء من مقولة يحاول الشاعر صياغتها في كامل حياته، منذ الولادة حتى الممات يقدم رؤية واحدة ضمن فسيفساء منثورة لابد أن يجمعها القارئ في لوحة واحدة، ولا يمكن أن يُفهم أو يُرى حتى تجتمع.
حزن الشاعر في الزمن السردي يزداد في أنه لا يستطيع كتابة نصٍ واحدٍ له بداية ونهاية ويعبر عن فكرةٍ متماسكة، ليس روائيًا أو سينمائيًا، هو أشبه بالمصور الذي يلتقط ما يرى، فيطير الناس فرحًا بإحدى صوره ويتركون بقية "الألبوم" على رف النسيان، لذلك يمارس أحيانًا إحدى تقنيات الدفاع عن النفس، فيُسخّف من النثر عمومًا، ويراه أنه أقل قيمة من الشعر العالي، بل ويتواطأ البعض في إلصاقهِ بالأنبياء وتشبيه كلامه بالنصوص المقدسة، وكعزاءٍ عن عدم فهمهِ يتم إدخاله إلى هذا الحزن النبوي، فيُسمى بـ "المتنبي" حينًا، والقادر على استشراف المستقبل، وصاحب الحدوس في الأشياء، بينما كل ما كان يريدهُ حقًا هو أن يُقرأ، أن يُفهم، أن يُرى!
BY عبداللطيف يوسف
Share with your friend now:
tgoop.com/youlat/524